ملامح واقعية للقراءة

هل يمكننا الاستغناء عن قراءة الروايات؟ ولماذا؟

أزعم أنه لا قصة تحكى إلا وهي إعادة توليف لقصص أخرى، فالجديد والمختلف هو أسلوب الراوي في كل مرة وطريقة الصياغة والمقصد الذي تحمَّله القصص. أوضح مثال هو ما يسمى بالرواية التاريخية.

وفي ما يخص السينما أو التلفزيون، نجد أصداء قصص أدبية في الأفلام والمسلسلات، (فضلا عن استلهام الأفلام من بعضها، وهذا موضوع آخر). فمثلا، قصة مسلسل Lost (مفقودون)، الذي يتتبع حياة محموعة من الأشخاص على جزيرة معزولة بعد أن تحطمت طائرتهم، هي خليط بين روبنسون كروزو وأمير الذباب، أو على الأقل يستحضرهما المشاهد الذي قرأ العملين المذكورين، ومن شبه المؤكد أن كتبة السيناريو قرأو أحدهما أو كليهما، وليسا بالمغموريَن بين الكتب الغربية. (المسلسل، بخلاف الروايتين، لا يستهدف غير التسلية والتشويق، والقصة فيه مطلوبة لذاتها لا لتصوير فكرة ما، ولا يفتح المجال للتأويل).

التأثر جائز، وليس سرقة أدبية كما قد يتبادر إلى الذهن، بل ولا مفر منه.

وإذا كان الأمر هكذا فإن مشاهدة الأفلام والمسلسلات، لا أقول تغني عن قراءة الروايات ولكن، تلبي متعة الحكاية لدينا، مع استصحاب ما يلي من الظروف:
  • ليست كل الكتب التي يرغب المرء في قراءتها متوفرة في بلده؛
  • وليست كلها مترجمة إلى العربية، أو أن الترجمة رديئة؛
  • وحتى إن توفرت وكان أحدنا ملما بالإنجليزية، فلا وقت لقراءتها كلّها؛
  • ولما كانت القدرة على اقتناء الكتب محدودة، لزم المستزيدَ أن يلجأ لتزيلها إلكترونيا من الشبكة، فيجهد عينيه ولا بد أمام الشاشة محدقا في الأسطر الصفحة تلو الصفحة، فيقتصر على قدر يسير من القراءة، لكتب معدودة منتقاة.
ولهذه الأسباب المتضافرة -محدودية الوقت، ومحدودية المال، ومحدودية البصر، إضافة إلى كون القصص مستوحاً بعضُها من بعض- يسوغ، بل يحسُن، الاكتفاء بمشاهدة المرويات التخييلية عبر الأفلام والمسلسلات، ولا تُقرأ الروايات إلا ورقيا، مع الإقلال منها، واستغلال الوقت والمال والبصر المنفَق في القراءة في كتب تبني معرفة متكاملة وحسا نقديا وثقافة منتجة؛ والروايات لا يعوّل عليها في ذلك. وتجدر الإشارة إلى أن الروايات الأوسع انتشارا حاليا (مثل عناوين دان براون) مكتوبة على منوال السيناريو، وتحاكي الإيقاع السينمائي.
 
مع التقدم في العمر -أو في عمر القراءة- لا بأس من تحديد نطاق المقروء وتركيزه على حساب التنوع، فمرحلة الاستكشاف لا يمكن أن تدوم إلى ما لا نهاية، وينبغي أن تفسح المجال لمرحلة التعمق في مجال معين.

تعليقات

  1. معك حق، أحيانا تقرأ عملا روائيا، أسال المداد الغزير، لكن ما أن تنهيه حتى تشعر بالأسف لإضاعة الوقت والجهد دون نتيجة تُذكر..
    مرحبا بعودتك للتدوين مجداا

    ردحذف
    الردود
    1. أشكرك على ترحيبك.
      عن تجربة شخصية: لكيلا نتخلى عن القراءة -بسبب إجهاد النظر مثلا- ينبغي أن نتخذ بعض أسباب الوقاية.

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

Blockbuster Movies: Entertainment and Indoctrination