المشاركات

عرض المشاركات من أبريل, ٢٠١٥

لا أحترم كل الاختيارات

للاستماع للنسخة الصوتية ، هنا . في ختام حلقة على قناة ٍ مغربية ناقشت أحد التكاليف الشرعية ، ألقت المذيعة العبارة الهادمة: "نحترم كل الاختيارات". أعلم أن العبارة لم تعد صادمة ولا مستهجَنة، ولا تستوحشها الآذان ولا تنفر منها النفوس. مع الأسف. فبعد مسيرة طويلة من ترويض "الرأي العام"، صار ما كان صادما - مألوفاً جدا ومستساغا، ولا يُتوقف عنده وليس محلَّ بحث؛ وبالمقابل، أصبحت مساءلة هذا المألوف هي التي تستثير الاستغراب. أما أنا فلا أحترم كل الاختيارات. ولا أحترم كل الآراء. ولا أحترم كل المعتقدات. ولا أحترم كل السلوكات. لأن من الاختيارات ما يودي إلى التهلكة؛ ومن الآراء الغبي وضيق الأفق والمغالي والمتحامل والمحابي؛ ومن المعتقدات ما هو بـاطل؛ ومن السلوكات المؤذي والمزعج والمقرف والسخيف. فعلى سبيل المثال، لا أحترم "خيار" الشذوذ الجنسي. ولا أحترم "رأي" الصهيونية. ولا أحترم الوثنية. ولا أحترم اللباس الفاضح. فلِمَ ينبغي لعاقل أن يحترم كل هذا الخليط، بلا تمييز ولا تفصيل؟ أم أن المقصود هو هذا بالضبط، أي التعبير المجمَل عن الاحترام ليدخل تحته كل شيء، الطيب

ملامح واقعية للقراءة

هل يمك ننا الاستغناء عن قراءة ال ر وايات؟ ولماذا؟ أزعم أنه لا قصة تحكى إلا وهي إعادة توليف لقصص أخرى، فالجديد والمختلف هو أسلوب الراوي في كل مرة وطريقة الصياغة والمقصد الذي تحمَّله القصص. أوضح مثال هو ما يسمى بالرواية التاريخية. وفي ما يخص السينما أو التلفزيون، نجد أصداء قصص أدبية في الأفلام والمسلسلات، (فضلا عن استل هام الأ ف لام من بع ضها ، وهذا موضوع آخر). فمثلا، قصة مسلسل Lost (مفقودون)، الذي يتتبع حياة محموعة من الأشخاص على جزيرة معزولة بعد أن تحطمت طائرتهم، هي خليط بين روبنسون كروزو و أمير الذباب ، أو على الأقل يستحضرهما المشاهد الذي قرأ العملين المذكورين، ومن شبه المؤكد أن كتبة السيناريو قرأو أحدهما أو كليهما، وليسا بالمغموريَن بين الكتب الغربية. (المسلسل، بخلاف الروايتين، لا يستهدف غير التسلية والتشويق، والقصة فيه مطلوبة لذاتها لا لتصوير فكرة ما، ولا يفتح المجال للتأويل). التأثر جائز، وليس سرقة أدبية كما قد يتبادر إلى الذهن، بل ولا مفر منه. وإذا كان الأمر هكذا فإن مشاهدة الأفلام والمسلسلات، لا أقول تغني عن قراءة الروايات ولكن، تلبي متعة الحكاية لدينا، مع استص

طول النفَس

صورة
لا يحتاج أحد منا لتذكيره بعظمة علماء المسلمين وتفانيهم في طلب العلم ونشره (الإمام السيوطي ، على سبيل المثال، أكمل تصنيف تفسير الجلالين وكان يبلغ من العمر اثني وعشرين عاما)؛ ما نحتاجه فعلا هو أن نحذو حذوهم، كلّ حسب استطاعته. ومن أجل ذلك ينبغي التخلي عن قصر النفَس في المطالعة، فالتكوين المعرفي يتم بالتراكم وليس دفعة واحدة. تحدّث العلامة محمود شاكر (أبو فهر) في كتابه رسالة في الطريق إل ى ثقافتنا عن صناع النهضة الأوروبية الحديثة، وهم المستشرقون الذين جابوا -عقب الحروب الصليبية- بلاد المسلمين يجمعون علومَهم، ثم يعودون إلى بلدانهم حاملين الكتب والمخطوطات إلى الذين انقطعوا في الأديرة للدراسة والتأليف. وهذا النمط من الباحثين في ثقافات الأمم لم ينقطع في الغرب إلى يومنا هذا؛ وما تقارير مراكز الأبحاث التي تحلل صراع القوى في العالم المعاصر إلا جزء يسير. وبناءً على هذا التنقيب والتخصص تبني الدول سياساتها، وهي تعرف خصائص الآخر المادية والنفسية أيضا، وذلك بفضل جيش من الخبراء وأساتذة الجامعات. وهنا أمثلة للدراسة الغربية المعمقة لثقافات العالم: جون كينغ فيربانك ، مؤلف كتاب عن تاري

في تفضيل التدوين

صورة
لوحة طوم براون من طبيعة الفكر أنه يتكون بالتراكم والاستمرارية. المراحل المختلفة والمتتابعة التي يعيشها الفرد يكمل اللاحق منها السابق، مهما كان بينها من القطيعة أو تحوّل في المسار أو حتى المناقَضة. هل التقدم المعرفي -ولو على المستوى الفردي- يحدث عن طريق الطفرة أم التراكم؟ الإجابة الجامعة هي أن الطفرة ما هي إلا تتويج لسلسلة من التراكمات (ربما الكامنة، وبالتالي لا تُلحظ في آنها)، ومستحيل أن تحدث طفرة من فراغ. بناء على ما سبق، فإن الكتابة في مواقع التواصل متفرقة متشتتة بالضرورة، لا يُستفاد من مجموع أجزائها لعدم اطلاع المتابع عليها كلها أو لنسيانه ما تقدم من أقوال، إن افترضنا التناسق في نتاج هذا الكاتب؛ فلا يتيسر محاكمة أجزاء المكتوب بعضها على بعض، لانطماره في أرشيف المنشورات. من النصائح التي أسداها بعض الكتاب للروائي خيري شلبي عندما بدأ يكتب في الصحافة أن يعتبر كل مقال له بمثابة فصل ضمن كتاب، بحيث تتجاوز قيمته مجرد التفاعل اللحظي مع الحدث؛ هذا في ما يخص مقالا أسبوعيا أو شهريا، الذي هو حصيلة تأمل وتأنٍ، فما بالك بتغريداتنا التي لا رابط بينها في كثير من الأحيان إلا كونها صد