المشاركات

عرض الرسائل ذات التصنيف الخصخصة

التبرع للدولة بين أميركا وبلادنا

صورة
في الكتابات القصصية بأصنافها كافة، على كونها من نسج الخيال، تصادفنا لمحات من الواقع. وإذا كان العمل الأدبي واقعيا، فإن تلك اللمحات ترصد المجتمع. في رواية Trunk Music ، لمايكل كونيلي، المنشورة سنة 1997، لفت انتباهي أنه في مديرية للشرطة " كان الرد على المكالمات الهاتفية مهمة يتولاها متطوّع من الحي "، وأن " آلة النسخ مُنِحت [للمديرية] من قِبَل سلسلة محلات للنسخ وسط المدينة. نفس المؤسسة كانت تقوم على صيانتها بشكل منتظم ". أجهل إن كان هذا ما زال ساريا في الولايات المتحدة، أما في بلدي فالتبرع للدولة مسألة لا تُتصوَّر حتى، ولو اقتُرِحت لرُمِيَت بالسذاجة. سيقال عندنا إنك إذا قدمت خدمة عمومية لا تتقاضى أجرتها، أغلب الظن –بل هو لليقين أقرب- أن الراتب الذي وفّرتَه للدولة سينتهي به المطاف في جيب غيرك دونما استحقاق. إضافة إلى ذلك، لِمَ الانسياق وراء المثالية السقيمة، بالنظر إلى أن قطاعات متعاظمة من الدولة يستحوذ عليها القطاع الخاص؟

ماذا وراء برامج تقليص الإنفاق وإلغاء الدعم؟

برامج تقليص أو إلغاء الدعم الذي تقدمه الدولة ليس الهدف منه خفض عجز الميزانية، وإنما وراءه إرادة إفقار غير مصرّح بها، لكن الإجراءات تؤدي إليها. فلو أرادوا ترشيد النفقات لبدأوا بمنافذ عديدة لا تخفى تتسرب منها الأموال بلا طائل، فإذا احتيج بعد ذلك لمطابة الناس بتحمل بعض التقشف رضخوا مقتنعين بجدوى التضحية. لكن خفض الإنفاق على التعليم والصحة، وتحرير سوق الوقود، ورفع الدعم عن بعض أساسيات الغذاء، ورفع القيمة المضافة... إنما هو جزء من حزمة متكاملة يسمونها الإصلاح الهيكلي، لا نراه في الغالب على حقيقته بسبب تفرقه في الأخبار، ولأن تنفيذه يجري بالتدريج، فلا تكاد تنطفئ الأصوات المتذمرة من قرار فيه تضييق للمعيشة حتى يعلنوا عن التالي. ما يراد من هذا بعد مدة من توالي هذه "الإصلاحات" الهيكلية هو الوصول إلى نموذج للدولة لا تحتفظ فيه تقريبا بغير وظيفة الأمن وجباية الضرائب بعد رفع يدها عن الخدمات -كل الخدمات- وتفويتها للقطاع الخاص: ففي زمن ليس ببعيد، المدارس والمستشفيات والبريد والنقل والطاقة... في يد شركات تحتكر قطاعا كاملا أو تنافس غيرها فيه، لكن كل الخدمات بمقابل. وشيء من هذا ح