الجائزة الكبرى

ربحت الجائزة الكبرى فكانت وبالا عليَّ، ولم أهنأ بها.
طاردني اللصوص، وتجار المخدرات، ومقاولو العقارات، وأصحاب الحانات والمواخير، وأعضاء المجالس البلدية، ومديرو المصارف... وترصّدوني في كل ركن قد أطلّ منه حتى ضاقت المدينة عليّ، وتعذر عليّ مغادرتها، فالدعاية نشرت صورتي بأكبر الأحجام، وما من راكب في المواصلات أو صاحب سيارة أو سائق شاحنة أو شرطي في الحواجز المرورية إلا ويحفظ سحنتي، ولن يفلتني إذا وقعت في يده إلا وقد اقتادني قسرا إلى دار القمار ليصرفوا له المكافأة الموعودة لمن يأتي بي.
حتى الأقارب الأباعد، الذين كانوا يستقذرونني، تأهبوا ليعرضوا عليّ بناتهم.
كنت أعيش هانئا ولو على ضنك، منسيا منبوذا لا يؤبه لي ولا أُفتَقد، أتدبّر لقمتي وأقتسم ما فاض عن حاجتي مع المتشردين والقطط والكلاب، ثم أطَّرح آخر النهار مكدودا. إلى أن زين لي التائهون سراب لعبة الحظ والأرباح، وإن كانوا أنفسهم لم يجنوا شيئا منها، لكن جعبتهم مليئة بأخبار المحظوظين الذين اغتنوا في لمح البصر. فأصبحت خائفا قلقا بعد اطمئنان ودعة، أفزع من الليل أتلمس جيبي وأتحسس الورقة المشؤومة، وأفر بلا قرار من الطامعين.
واستغربوا من اختفائي. وتضاربت التفسيرات. وكنت ألقي السمع بينما أعبر العتمات.
وما منعني أن أظهر وأتسلم الكنز المرغوب غير الفكر الذي استولى عليّ فركبني الهمّ منه وأنهك جسمي. إذ رأيتني بعد الاغتناء لن يصفو لي عيش إلا محاطا بالحرس والأسوار؛ ومهما ربطت من علاقات مع النخبة الميسورة فسأظل بينهم ذلك الحثالة الذي أثرى بضربة قمار؛ ولن أثق في الأصدقاء والأقارب، الذين يتلطفون لي لينالوا مطامعهم بعدما كانوا لا يتذكرونني بالفتات، والذين لو رأوني في غير أبّهة الغنى لتأففوا مني. فكيف أطيق العيش بين من يحتقرونني وأحتقرهم؟ كيف أطيق التوجّس من الخلق مدى الحياة؟ ثم كيف أخادع ضميري لأتنعّم بكسب حرام؟
ثم أزمعت على أن أستعيد راحتي.
قصدت دار القمار، فرحبوا بي واحتفى بي كبيرهم، وأمرهم أن ينظفوني وأن يلبسوني بذلة جديدة تمهيدا لظهوري على التلفاز لأتسلّم الجائزة في بث مباشر، فرفضت وأصررت على أن أبقى على حالي، فأذعنوا. ولم يأتِ المساء حتى أذاعوا في البلد ظهور الفائز. أقلّوني في مركبة فارهة إلى مقر القناة الثانية، ومكثت واجما لا يسلبني شيء من زيف الوجوه الباسمة والمصافحات الحماسية. وامتلأت شاشة القناة بالإشهارات لاغتنام تجمع المشاهدين للبرنامج المرتقب. ثم أدخلوني إلى الاستديو رفقة مدير دار القمار ومذيعة بفستان مبتذل. بدأت تتكلم ورحبت بالمدير وبي، وتكلم المدير وهنأني أمام الكاميرات، ثم طلبوا مني أن أقول كلمة بالمناسبة، فنظرت إلى الكاميرا وأخرجت الورقة الجهنمية من جيبي قائلا بنبرة واضحة:
-ها هي الورقة الرابحة، أيها الأوغاد!
وأخرجت من جيبي قداحة وأضرمت النار في الورقة.
صرخت المذيعة، وهمّ المدير بمنعي لما أفاق من دهشته إلا أن الورقة صارت رماداً. وانقطع البث.
عند خروجي، كانت الوجوه مكفهرة، إلا أنني كنت سعيداً.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

Blockbuster Movies: Entertainment and Indoctrination