حكاية أستاذ مكلف بحراسة الامتحانات


يتسلم استدعاءه متثاقلا، كأني بها الجمر "الأبيض" في يدهِ، ينتَابه خوفٌ "وجودي" من نوع خاص لا يدركه إلا الخوَاصّ، يقول في نفسه هل أغامر أو أترك الحبل على الغارب فلا أبالي؟!
ألقت به رجلاه - بعد بحث دام كذا وكذا- في القاعة المعينة المُدونة في الاستدعَا، فإذا بالعيون "الأدبية" تفاجئه بنظرات ثاقبةٍ تقتحمُ كل شيء، حتّى الصخور.
نظراتٌ صاعدة ونازلة، من "وجوه غريبة" تحسبها تستعدُّ لمباراةٍ نهاياتها مميتةٌ !
وهل سيصمد؟! وهل سيكون قادرا على تقمص شخصية "الخطير" "المرهب" في ساعتين أو ثلاث؟
فتَّشَ - هو - في حقيبته البيداغوجية (الذهنية) عسى أن يجد وصفة مُعِينَةً على المِحنِ، فقال في نفسه:
هيهات هيهات، وهل تُصلح البيداغوجيا ما أفسد "العُهرُ !
يوزّع أوراق التحرير والمسودات، يلقي بها إلقاءً، حتى اذا بلغَ آخرَ مقعدٍ - وكان مهشما- رجع رويدا رويدا. يداهُ وراء ظهره، يُعيد الحِسابا ...
إذ به يأخذ مقعدا مُطلا على النافذة الشرقية، متظاهرا بالتأمل في الطبيعة، أيُّ طبيعة !
فلا تقع عيناه إلا على المُهشمات من الطاولات، زادته رُعبا إلى رعبٍ، وشؤمًا إلى شؤمٍ، وغيظا إلى غيظ !
ظل ينتظر صاحبَه الزائرَ (ة)، الحارس (ة) الثاني (ة)... ثم التحق (ت).
----
حلت الزائرة،
ويظهر عليها تعب ثلاثة وثلاثين سنة من المراقبة والتدريس ...
خطت السنون على وجهها الخطط وحنكتها الأيام والليالي!
بادرها بالسلام. فقالت: اعذرني بُني (أو أحسبها قالت أُخيّ)، فإني لا أرى ولا اسمع، فأعاد التحية وفي نفسه، وسأل الله الفرجَ ... وتثآءب وتساءل، فلما يجد الجوابا !
رن الجرس، كالصاعقة، وأعطيت انطلاقة الامتحان، فافرنقع القوم في اتجاه مَقاعدهم، وأيديهم على الزّناد !
-----
وُزعت مواضيع الامتحان، وفيه يعز الحرس أو يهان، وإذ تراهم ينظرون إلى السقف مُطيلين، قال قائلهم كبيرهم:
- ما هذا ؟
- فتبعه رهط آخرون، في غوغاء:
- هذا شيء لم نره، ولا نعرفه ...
- إن هذا لشيء عجاب...
- هذا شيء صعبٌ....
- لم ندرس هذه السنة ...
- أستاذُ كذا لا يشرح ...
- وأستاذُ كذا كل وقته يمرح ُ....
- وتقاطرتِ الحكايات تِلو الحكايات ...
وفي سياق الحكي، والحكايات، نظرتُ شزرا لصاحبتي فألفيتها نائمة - نامت صاحبتنا، ونام القمر ! فلا توقظوها ! سوت سوت سوت ...
---
ثم شمر على سواعد الجد، وقال يا قوم:
إما أنا وإما أنتم،
إني أرى رؤوسا قد أينعت وحان قِطافها ...
والله وتالله وبالله ولعمري ...
فأرغى وأزبد ... وقال ولمْ يُفْهِم !
فتعالى الصَّخب وانتشر، وحضر المديرُ والمراقب وتبعهم قوم في سلسلة لا ينقطعون، فناولوا الأستاذ "الحارس" قطعة سكر ثم جاؤوا باللاعب البديل فسد الخلل، وطمأنَ !...
بينما حُمِل الأستاذ إلى قاعة الأساتذة سمعَ بعضه يقوم (مكيعرفش يخدم !).
ونام في قاعدة الأساتذة حتى أيقظهُ عونُ الحراسة يطلبُ منه المُغادرة، لأن المدرسة أغلقت أبوابها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأسباب: لا إهمال ولا تأليه