لو آمنت بالله - من وحي قلم الرافعي

للاستماع: هنـا
نِعْمَ أخو الإسلام أنتَ، فاستعِذْ بالله من خذلانه، فإنه ما خذلك إلا وضْعُك نفسَك بإزاء لله تعارِضه أو تجاريه في قدرته، فيَكِلك إلى هذه النفس، فتنتهي بك إلى العجز، وينتهي العجز بك إلى السخط، ومتى كنت عاجزًا ساخطًا، محصورًا في نفسك موكولًا إلى قدرتك، كنت كالأسد الجائع في القفر، إذا ظنَّ أن قوَّته تتناول خَلْق الفريسة؛ فيدعو ذلك إلى نفسك اليأس والانزعاج والكآبة؛ وأمثالها من هذه المُهلكات تقدح في قلبك الشكَّ في لله، وتُثبت في روعك شرَّ الحياة، وتُهدي إلى خاطرك حماقات العقل، وتقرِّر عندك عجز الإرادة؛ فتنتهي من كل ذلك ميتًا قد أزهقتْكَ نفسُك قبل أن تُزهقها!

ولو كنتَ بدل إيمانك بنفسك قد آمنت بالله حق الإيمان، لسلَّطك لله على نفسك ولم يسلِّطها عليك؛ فإذا رمَتْك المطامع بالحاجة التي لا تقدر عليها، رميْتَها من نفسك بالاستغناء الذي تقدر عليه؛ وإذا جاءتك الشهوات من ناحية الرغبة المقبلة، جئتَها من ناحية الزهد المنصرف، وإذا ساورتْكَ كبرياء الدنيا أذللتها بكبرياء الآخرة.
وبهذا تنقلب الأحزان والآلام ضروبًا من فرح الفوز والانتصار على النفس وشهواتها،
وكانت فنونًا من الخذلان والهم، وتعود موضع فخر ومباهاة، وكانت أسباب خزي وانكسار؛ وعزيمة الإيمان إذا هي قويت حصرت البلاء في مقداره، فإذا حصرتْهُ لم تزل تنقص من معانيه شيئًا شيئًا، فإذا ضعُفت هذه العزيمة جاء البلاء غامرًا متفشيًا يجاوز مقداره بما يصحبه من الخوف والروع، فلا تزال معانيه تزيد شيئًا شيئًا بما فيه وبما ليس فيه.

وللإيمان ضوء في النفس ينير ما حولها فتراه على حقيقته الفانية وشيكًا أن يزول؛
فإذا انطفأ هذا الضوء انطمست الأشياء، فتتوهَّمها النفس أوهامًا متباينة على أحوالها المختلفة؛ كما يرى الأعمى بوهمه: لا عينُهُ مع الأشياء تكون في طبيعتها، ولا أشياؤه عند عينه تكون في حقيقتها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

Blockbuster Movies: Entertainment and Indoctrination