في مواجهة سيدة الرواية العربية (تخيُّل)


القارئ العاقل يتحدى في نوبة جنون الروائية الأولى في عرينها
 لا خسائر على كلا الجانبين
 الكاتبة تجني مبالغ طائلة وصاحبنا خرج بانتصار معنوي
 رصد لحوار مع كاتبة من اللواتي يُصِبن بالغثيان
(للاستماع: هنـا)
تقدم لها قارئ (معاذ الله؛ بل تقدم منها، خطأ مقصود) في معرض الكتاب بينما كانت توقع نسخا من روايتها الجديدة (التي، بالمناسبة، لا جديد فيها على الإطلاق، إنما هي جرعة إضافية من تركيبتها المعتادة من الفضائحية المغلّفة بالتمرد الحداثي التقدمي على التقاليد البالية وسلطة المجتمع الذكوري... آه، كفى!). وكان يكتنف يمينها وشمالها حارسان هرقليين. فدار النشر تدلّل دجاجتها البَيُـوض.
 طبعت ابتسامة تسويقية، وقد حسبته يطلب توقيعها (حاشى وكلا، فما زال من العقلاء). لكنه قال لها على الملأ: "يا ليتك تتوقفين عن الكتابة، أو عن النشر على الأقل، بما أن الكتابة هي 'الرئة التي تتنفسين بها'".
وما كاد صاحبنا أن ينهي جملته حتى كاد الحارسان الأسطوريان أن يفتكا به. ربما لم يكونا يستوعبان الفصحى تماما، لكن نبرة المتكلم كانت واضحة الوقاحة. لكن سيدة الرواية العربية، بإشارة من أناملها ذات الأظفار المطلية، أوقفتهما.
وبفضل تصلّب الوجه المكتسَب لم يبدُ عليها ارتباك بالطبع. ولم يكن من السهل استفزازها إلى خارج دور الرومانسية التي تروّج باسمها بضاعتها.
قالت بهدوء سيكون مضرب المثل بين معجباتها المراهقات المنتظرات دورهن وقد اشرأبت أعناقهن: "إنها مهنتي، يا سيدي!" (ولو كنتم هناك لسمعتهم نطقها لـ"يا سيدي" كالخنجر المسموم.) "كيف سأعيش إذن؟"
روعة يا سيدة الرواية العربية. إجابة واقعية صادمة لم ينتظرها هذا المقتحم، ولعله يسقط صريعا على إثرها... لكنه –يا للدهشة- بدا صامدا، ولم يتزحزح عن موقفه.
أغار من جديد، وقد أوتي من الجدل عتادا يكفي للإطاحة بأعتى المناضلات الأديبات المتحررات؛ الإطاحة بالمنطق والمحاججة، قبل أن تتسرع الأفهام في تأويل موهوم. قال: "بسيـط جداً: ندفع لك مقابل ألا تنشري".
أجرت في ذهنها بسرعة عملية حسابية؛ ليس بإمكانهم أن يدفعوا مقدار أرباح ملايين النسخ التي تباع من كتبها. ثم أنّى لهذا الطالب الجامعي المعدَم، ذي الجوربين الممزقين على أغلب تقدير، أن يدفع أي شيء؟
أجابته بثقة: "احتفظ بنقودك، يا عزيزي. والآن تفضل بالانصراف، فإنك تأخذ وقت غيرك."
أشاحت بوجهها لتستقبل بالابتسامة التسويقية قارئة متحمسة. بينما تدخّل الحارسان لإبعاد صاحبنا الذي أدرك أن يقول لسيدة الرواية العربية: "تقبّلــــي مُـروري...".
كانت ملامحه تشع انتشاءً وفرحاً. وسار يتجول بين أروقة الكتب بنشاط مفرط كمجنون. لقد فعلها بالجنون الذي ينقص العقلاء. كان مستحيلا بالتأكيد أن يشتري صمت سيدة الرواية العربية، هو الذي كان غير قادر على اقتناء كتاب، ويتدبّر قراءاته بالاستعارة، فلم يكن في جيبه غير دراهم لتناول لقمة سريعة ولتذكرة الإياب في الحافلة. كان أيضا يحلم بمستقبل أدبي، لكنه لم يكن يعوّل على ترف الكتابة أن ينتشله من قلة الواردات المالية.
 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

Blockbuster Movies: Entertainment and Indoctrination